كل القوى والأحزاب والتيارات في اليمن أصبحت قوى حاكمة تتقاسم السلطة والمناصب والسفارات والهيئات وتمثل البلد وتمثل به في الداخل والخارج، ولا تنافسها أو تجادلها أي نواة للمعارضة الحقيقية التي لا بد منها، بل إن من يعارض المعارضين القدامى يتهمونه على الفور بالخيانة ويشكون في أمره ويتجنبونه، والعجيب أن أحزاب السلطة الجديدة الحاكمة تريد أن تحتكر إلى جانب الحكم دور المعارضة، وترفض أن يعارضها أحد أو أن يتهمها بالتراخي والجمع الحرام بين (الأختين)، بين الحكم والمعارضة، أو بين السلطة و(السلبطة)*.
وكل من يحاول أن يعارض المعارضة التاريخية في اليمن التي وضعت رجلها في السلطة وأبقت على الرجل الأخرى في المعارضة، لا يتساهلون معه ولا يمزحون، ولديهم صرامة تفوق صرامة السلطة وجبروتها.
وإذا قال لهم أحد لا بد من وجود المعارضة الحقيقية وليس التي تجمع بين مغانم السلطة وادعاء معارضتها يغضبون منه ويستنكرون كلامه، حتى تظن أنهم سيقولون لك لقد عارضنا طوال أعمارنا ويحق لنا الآن أن ننعم بمزايا السلطة والمعارضة معا..
هم يعلمون جيدا أن المعارضة ضرورة ولا بد منها لتقويم الاعوجاج وحفظ التوازن ووضع الأمور في نصابها الصحيح، لكن لأنهم أصبحوا يمثلون الاعوجاج في أشد صوره وضوحا وقلة حياء لا يريدون أن يسمعوا صوت أي معارض وناقد، ويبتهلون إلى الإله أن يخرس ويكتئب كل معارض حقيقي وأن يصيبه القهر ويختفي من الساحة ولا يبقى له أثر.
لذلك ستبقى خانة المعارضة في اليمن فارغة أو متروكة لمتسلقين يلعبون على حبل السلطة والمعارضة في الوقت نفسه، دون خوف من أن (تفتلخ**) أرجلهم، لأن (الافتلاخ) والازدواج أصبح نهجهم والأيديولوجيا التي ينظرون لها صباح مساء.
في الصباح ستجد قادتهم منهمكين في اجتماعات مؤسسات الحكم الشرعية في الداخل والخارج، وفي المساء كل قائد حزب وفصيل وتيار يلعب لعبة المعارضة مع مجموعته ويوهمهم أنه إنما وضع رجله اليمين مع السلطة لإثبات الحق وبهدف العثور على موطئ قدم لتمثيل المعارضة والتعبير عن مطالبها من داخل السلطة. وهكذا تحولت البلاد كلها إلى سَلَطَة على مائدة مكشوفة لذباب الأحزاب!!
أحمد السلامي
هامش:
*السلبطة بالعامية تعني أيضا التسلق على أكتاف فكرة أو شخص أو قضية.
**المفتلخ في اللهجة العامية مفردة تشير مجازا إلى من يشرخ نفسه بين موقفين ووجهتين ومكانين.