جدال قديم جديد بين العظم وأدونيس
………..
سيطر جو الهجوم المتبادل على العلاقة بين المثقفين العلمانيين الكبيرين صادق جلال العظم وأدونيس.
سبب الخلاف لا يزال راهنا وقريبا مما نواجهه اليوم من إشكاليات سياسية وأخلاقية.
كان سؤال الخلاف بينهما هو: متى يجب دعم حركة سياسية/ثورة ما، ومتى يجب ادانتها على قاعدة حقوق الانسان والحريات والمشروع النهائي للثورة.
ظل العظم يهاجم ادونيس ثلاثة عقود بسبب ثلاثة مقالات كتبتها عام 1979/1980 يمدح فيها الثورة الايرانية وسياسة الولاية والتحرير المتوقع للانسان عبر افكار الثورة الخمينية، حسب الجو الحماسي الذي احدثته الثورة سرقا وغربا في أسابيعها الأولى.
لكن أدونيس غير رأيه وهاجم الثورة الايرانية قبل انتهاء عامها الاول بعد انكشاف وجهها الطائفي القمعي.
لم ينس العظم موقف أدونيس هذا، وتجاهل اعتذاره وتجدد هجومه على أدونيس في 2012 بسبب رفض أدونيس للثورة المؤسلمة التي تخرج من الجامع!
والحقيقة أن موقف العظم هنا غير مفهوم لانه يهاجم ادونيس على إدانته لثو رة تأسلمت وتطيفت ومضت سريعا بنفس الاتجاه القمعي الطائفي للثورة الايرانية، خاصة بعد عسكرة الثورة وسيطرة السلفيات الجهادية عليها!
والأغرب أن العظم كرر نفس خطأ ادونيس فأيد المرحلة الجهادية للثورة السورية حتى بعد ان تمت إزاحة اغلب القوى المدنية من المشهد.
بل أن العظم ذهب الى تفسير طائفي للثورة دافع عنه حتى آخر مقابلاته رأى فيه أن الثورة هي ثورة الاغلبية السنية ضد العلوية السياسية، وأنه سيظل مع الثورة حتى ولى أدت الى قيام دولة دينية اسلامية (على اعتبار ان معارضة هذه الدولة سيكون ممكنا بعد انتصارها!)
اعتقد ان هذا الجدل وهذه الإشكاليات الاخلاقية السياسية لا تزال مطروحة ليس في سوريا فقط بل في لبنان (هل يمكن التحرير عبر طائفية مسلحة تابعة لولتية الفقيه)، وغزة (هل يمكن ان تكون حركة التحرر الوطني جهادية سلفية قامعة لشعبها ومصادرة لحرياته وكرامته؟)، ويعود السؤال سوريا اليوم بعد اعادة تقديم الجماعة الجهادية في غلاف أنعم لبعث آمال المشروع الطائفي تحت شعار ثورة لم شروطها تعد موجودة.
كان جورج طرابيشي أحد المثقفين القلائل الذين لم يفقدوا نزعتهم النقدية الشكوكية عندما قال معلقا على الربيع العربي:
"ذلك أنّ محطة الوصول قد لا تكون مطابقة لمحطة انطلاق قطار الثورات. ولأعترف للقارئ بأنّي ابن الخيبة بالثورة الإيرانية الآفلة أكثر منّي ابن الأمل بالثورات المشرقة."
وكم نحن بحاجة لاعادة استحضار النزعة النقدية الشكوكية، اللائقة بالمثقف، في زمن الثائر الرجعي والثورات "المحافظة " الساعية الى بعث العصور الوسطى بدلا من الاقتراب من العصر الحديث.